Loading...
رئيس مجلس الإدارة
د.حاتم صادق

المصرى اون لاينبوابة خبرية متخصصة

رئيس التحرير
قدري الحجار

قمة استثنائية ولكن
الدكتور حاتم صادق

الدكتور حاتم صادق

انهت القمة العربية -في دورتها العادية الثالثة والثلاثين لأول مرة في العاصمة البحرينية المنامة- أعمالها في ظرف استثنائي. 
وأكاد اجزم انه منذ انعقاد اول قمة عربية في انشاص عام 1946 من القرن الماضى وكانت الجملة المقترنة بكل قمة انها "تعقد فى ظرف استثنائي وظروف بالغة التعقيد لم تشهدها المنطقة من قبل" . 
على كل حال فان الظرف الاستثنائي المعتاد هذه المرة كان الحرب في قطاع غزة التي دخلت شهرها الثامن وهي مرشحة للاستمرار ربما أسابيع أو أشهرا أو حتى سنوات، بغض النظر عن وتيرة العمليات العسكرية. فنحن اصبحنا أمام عملية عسكرية توشك أن تتحول إلى حرب استنزاف طويلة المدى، مع كل ما يمكن أن ترتب عليه مثل هذه الحرب على مجمل المنطقة وبالأخص في الدول العربية المتأثرة من قريب أو بعيد بهذا الصراع المفتوح.
تقريبا وفي نفس توقيت القمة العربية كان هناك علي الجانب الأخر من يسعي عامدا الي خروج الأمر عن السيطرة، والحديث هنا عن الإدارة الأمريكية التي أبلغت الكونجرس عن حزمة أسلحة جديدة مخصصة لإسرائيل بقيمة مليار دولار، وذلك بعد أسبوع واحد فقط من تهديد واشنطن بحجب بعض الأسلحة عن تل ابيب بسبب مخاوف من هجوم على رفح. والحزمة الشاملة أُقرت على الرغم من معارضة اليسار، حيث أيد الحزب الجمهوري المنافس بالإجماع تقريبا دعم الأسلحة لإسرائيل. وفعليا فان تلك الصفقة يعني منح إسرائيل الضوء الأخضر لاجتياح رفح، لكنها أيضا يمكن ان تكون ثمنا لتراجع بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل عن هدفه المقدس المتمثل في هجوم رفح باعتبارها اخر معاقل قادة حماس في القطاع.. علي كل حال الشواهد التاريخية ترجح الاختيار الثاني، فأثناء مفاوضات فك الاشتباك الأول بين مصر وإسرائيل عام ١٩٧٣ماطلت إسرائيل في قبول شروط التفاوض حتي تعهد وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت هنري كيسينجر بتعويض إسرائيل عن كل خسائرها في الحرب علي الجبهتين المصرية والسورية واكثر من ذلك مدها بذخائر متطورة مضادة للدبابات لم تحصل عليها أي دولة حتي من أعضاء حلف الناتو. وهذا الأمر تكرر بعد حرب ٢٠٠٦ بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، ولم تهدأ حتي قامت واشنطن بتقديم صفقة أسلحة متطورة الي ايهود أولمرت.
علي كل حال فان مفهوم الصفقة الحالية ليس هو الرقم الأصعب في معادلة الصراع العربي مع إسرائيل في هذا الظرف الاستثنائي!! ، لكن ما يستحق إعادة النظر هو تقييم الرؤية العربية لهذا الصراع الذي يدخل عامه الماسي (٧٥ عاما) والمآسي مازالت مستمرة لم يجد نفعا معها أي قمم عربية .. وللحق فإن تاريخنا يحفل بعشرات القمم العربية الذي بدأ انعقادها في الأربعينات من القرن الماضي، باجتماعات عدة ارتبطت بأحداث تاريخيّة كبرى، بل وتفاعلت معها الدول العربية بأشكال مختلفة، وقرارات حاسمة كان بعضها ناجحاً في التعامل مع الأزمات واغلبها كان مجرد حبر علي ورق. 
ومنذ تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945، عقد القادة العرب 48 اجتماعاً على مستوى القمة منها 32 عادية و16 طارئة، إذا ما أضيفت لها القمة العربية - الإسلامية الأخيرة في الرياض.
واللافت والغريب ان سجلات الجامعة لا تعترف بـ"قمة أنشاص" التأسيسية التي عقدت في مايو عام 1946، بدعوة من ملك مصر آنذاك فاروق الأول، بحضور الدول السبع المؤسسة للجامعة العربية، وهي؛ مصر، وشرق الأردن، والسعودية، واليمن، والعراق، ولبنان، وسوريا، والذي كان محورها الأساسي "دعم فلسطين"، حيث اتخذت عدة قرارات من بينها؛ "جعل قضية فلسطين قلب القضايا القومية، كونها قُطراً لا ينفصل عن باقي الأقطار العربية، والتأكيد على ضرورة الوقوف أمام الصهيونية، بوصفها خطراً لا يداهم فلسطين وحسب، وإنما جميع البلاد العربية والإسلامية". وكذلك لا تدخل ضمن الحصر الرسمي للقمم العادية، قمة "التضامن العربي" في بيروت عام 1956، التي عقدت لدعم مصر ضد العدوان الثلاثي، وتأكيد سيادتها على قناة السويس. وهذا الامر يحتاج الي الكثير من إعادة النظر لكيفية فهمنا لقضايانا المصيرية او التي نعتقد انها مصيرية ان صح هذا التعبير.
واقع الأمر أن مياه كثرة جرت من تحت الجسور منذ قمة انشاص الي قمة المنامة، فمسمي العدو الذي بنيت عليه كل مقررات وقرارات القمم السابقة لم يعد هو نفس العدو الذي نتعامل معه اليوم.. او علي الأقل فقد تغير الكثير من شروط وضوابط هذا العداء.. وهنا يكمن الفارق الجوهري بين تعددية المفاهيم العربية لحل الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فالبعض ظاهريا يصر علي الحل الشامل والنهائي وعودة كل الأرض لكل الشعب ، والبعض الاخر يقر بضرورة التسوية وتحكيم لغة العقل والمنطق والقبول بما هو متاح قبل ان تتواري كل الأرض الي الابد، ومع طول امد الصراع اقتربت اطراف غير عربية  للاستفادة من مأزق التناقض العربي سعيا منها للاستثمار في هذا الصراع وتوظيفه لتنفيذ أجندات توسعية في المنطقة ، وهو ما نشاهده في حروب أهلية الساخنة منها والباردة في ليبيا والسودان واليمن والعراق وسوريا ولبنان. 
الفروق الجوهرية في الفهم بين صناع القرار العربي هي التي جعلتنا نشعر ان الكثير من قرارات القمم العربية مصابة بالانفصام فهي تنتقد علي الورق هذا "الكيان المغتصب" ، وفي الوقت نفسه ترحب به شريكا تجاريا واقتصاديا علي كافة المستويات، بل ان اغلب الدول الأعضاء في الجامعة العربية لديهم علاقات صريحة معترف بها مع هذا الكيان، ،ما تبقي منهم لديه علاقات وطيدة من تحت الطاولة.. وبالمناسبة ليس هذا امرا مرفوضا – العلاقات السياسية وغيرها- لانه جاء نتيجة مقتضيات الامر الواقع وحقائق موازين القوة بعيدا عن الشعارات الرنانة المغلفة بمفهوم ديني مسيس لدغدغة مشاعر البسطاء.. ولكن ما هو مرفوض هو الإصرار علي فرض حالة من انفصام المفاهيم علي العامة التي تتسبب في خلق حالة من الضبابية والتشكيك في قضايا الامة لدرجة وصلت الي حد الخيانة والعمالة وغيرها من المصطلحات التي باتت البديل الموضوعي لمسمي الصراع العربي الإسرائيلي.   
صحيح ان قمة المنامة كانت تنعقد كالعادة في ظل ظروف استثنائية، الا أن الأزمة الحقيقية ليست في استثنائية القمم ولكن في ضرورة إعادة صياغة مفاهيم واحدة من اخطر القضايا العربية وتعريف من هو العدو بغض النظر عن الانتماءات الدينية او السياسية. والان وبعد ما يقرب من ٧٥ عاما من الصراع العربي الإسرائيلي، وما يقرب من ٤٨ قمة عربية، وخسائر بشرية تتجاوز اكثر من مليون شهيد ومصاب ، وخسائر اقتصادية تقدر بالمليارات وضياع فرص للسلام كانت كفيلة بعودة الحقوق والوعي ..الان نحن بحاجة فعليا لوضع مفاهيم جديدة تتناسب مع مستجدات الازمة الفلسطينية، هذه المفاهيم الجديدة يجب ان تكون محصلة إجابات صادقة لاسئلة اصبح من الضروري عدم تجاهلها او القفز عليها .. هل هناك حرب يمكن ان تستمر الي الابد؟ ما هو حجم المكاسب والخسائر من الصراع مع إسرائيل؟ اذا كانت إسرائيل هي العدو الأول للامة العربية، فما هي مبررات الحروب الاهلية في ليبيا وسوريا والعراق واليمن والسودان ولبنان. 



تواصل معنا